المسألة الثالثة: [في الشفاعة]
  إلا تقوية الدواعي إلى ارتكاب القبائح على وجه يأمن العقاب عليه، والمعلوم أن الإغراء بالقبيح قبيح، فما يؤدي إليه يجب أن يكون قبيحًا، والشفاعة بالمعنى الذي ذكره الخصم تؤدي إليه قطعًا فوجب قبحها.
  فإن قيل: تجويز العقاب كاف في نفي القبح.
  قيل: لا تجويز مع دعواكم القطع بوقوعها؛ سلمنا، فالتجويز لا يؤثر في الزجر إلا إذا علم استحقاق العقاب، ثم جوز وقوعه به. وأنتم قد قطعتم بعدم الوقوع.
  فإن قيل: نحن نقول بجواز دخوله النار ثم يخرج منها، وذلك كاف في الزجر؛ إذ من حق العاقل أن لا يؤثر لذة يسيرة على عذاب يوم واحد في النار، بل ولا على عذاب ساعة واحدة أو أقل منها، فلا يكون الباري تعالى مغريًا بالقبيح.
  قيل: لا نسلم أن ذلك كاف في الزجر؛ لأن الإنسان إلى تأثير العاجل أميل، ولا يبعد أن يهون عنده ما يلقاه من العذاب الآجل المنقطع في جنب فوزه بلذة القبيح العاجل، وهذا هو شأن أكثر الخلق، فإنهم يؤثرون لذة القبائح على ما يعلمونه من شدة العقاب الدائم عليها، فكيف إذا علموا انقطاعه ولم يجزموا بوقوعه كالخصوم.
  الحجة الثانية: أن شفاعة النبي ÷ للفساق في قوة ما لو قال يوم القيامة: (يا رب إنك أرسلتني إلى هؤلاء، وأمرتني أن أبلغهم أنه يجب عليهم طاعتك، وأنك تثيبهم عليها، وتحرم عليهم معصيتك،