مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون 48}

صفحة 3608 - الجزء 6

  وأنك تعاقبهم على فعلها وقد بلغتهم ذلك، ووعدت المحسن بثوابك والمسيء بعقابك، وأنا اليوم أسألك أن تبطل ذلك، وتجعل المسيء مع المحسن، والفاسق مع المؤمن)، ومثل هذا لا يقع من عاقل فضلًا عن النبي الكامل، فإن التفرقة بين المحسن والمسيء أمر مركوز في العقول، كما قال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ٣٥ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٦}⁣[القلم] ولو فرض وقوع هذا لكان فيه تزهيد للمحسن في الإحسان، وتشجيع للمسيء على الطغيان، وذلك قبيح.

  الحجة الثالثة: أن النبي ÷ لو شفع للمصرين فإما أن تقبل شفاعته أو لا، الأول باطل، لثبوت خلود الفساق في النار على جهة الدوام، والثاني أيضًا باطل لما في ذلك من حط مرتبته، والإجماع على أن شفاعته في ذلك اليوم مطلوبة، فلم يبق إلا القطع بأنها لا تقع منه الشفاعة للمصر، وهو المطلوب.

  الحجة الرابعة: ذكرها قاضي القضاة. وهي أن الشافع للمصر كالشافع للعفو عمن قتل ولد رجل وهو مصر على قتل ولد له آخر، فكما أن هذه الشفاعة تقبح عقلًا فكذلك الشفاعة للمصرين. قال: ولم يحصل سمع ناقل يقتضيه العقل، فوجب البقاء عليها. وهذه الحجج عقلية كما ترى، وفي الاحتجاج بها نظر.

  أما الأولى فلأنه يقال: إن تجويز دخوله النار لا يؤثر في الزجر، فإن المعلوم أن لذة شهوة القبيح وإن بلغت ما بلغت لا تغلب هذا الصارف الذي هو تجويز دخول النار وتعذيبه فيها، مع ما قد حكى الله تعالى من أليم إحراقها، وتنوع عذابها، وإن قطع بخروجه منها بعد الخزي