مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية [دلالة الآية على وجوب قبول التوبة]

صفحة 3706 - الجزء 6

  التي امتن بها على بني إسرائيل، فلو كان هذا العفو واجبًا لما حسن جعله من باب الإنعام؛ لأن من أدى ما يجب علي عليه للغير لا يقال: إنه منعم عليه.

  قلت: قد مر في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢}⁣[الفاتحة]. وهو الفعل بالوجوب لا يمنع من كونه نعمة.

  قالوا: العفو إسقاط العقاب المستحق، فأما إسقاط ما يجب إسقاطه فذلك لا يسمى عفوًا؛ دليله أن الظالم لما لم يجز له تعذيب المظلوم فإنه إذا ترك تعذيبه لا يقال: إنه عفى عنه. ويمكن أن يقال: إنه قد ثبت بالدليل وجوب قبول التوبة، كما مر في قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}⁣[البقرة: ٣٧]، وحينئذ فيقال: العفو هنا ليس على حقيقته، بل هو مجاز عن قبول التوبة وحصول المغفرة، بجامع محو الذنب وسقوط العقاب بكل، والقرينة دليل وجوب قبول التوبة.

فائدة: [في ذكر الفرق بين العفو والمغفرة]

  الفرق بين العفو والمغفرة أن العفو يجوز أن يكون بعد العقوبة ويجتمع معها، وأما الغفران فلا يكون مع عقوبة.

  قلت: ويجوز أن يكون العفو في الآية على حقيقته، ولا ينافي وجوب قبول التوبة، وذلك بأن يراد بالعفو عن قتلهم أنفسهم حتى ينفدوا؛ وقد أشار أبو حيان إلى أنه بهذا المعنى مقصود به الترك والتسهيل، وهما من معاني عفا. قال: فيكون {عَنْكُمْ} عام اللفظ خاص المعنى، لأن العفو إنما كان عمن بقي منهم.