قوله تعالى: {وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون 55 ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56}
  قلت: وطريقتهم في تقرير الخلاف والاحتجاج تأبى هذا التأويل؛ ولهذا منعوا حمل قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف: ١٤٣] وأحاديث الرؤية على العلم، ولعل الرازي إنما أراد إلزامهم ذلك؛ لأنهم إذا نفوا التجسيم والجهة وقالوا: يرى بلا كيف لم يبق إلا أنه يعلم بلا كيف؛ إذ لا تعقل رؤية ما هذا حاله بالعين. والله أعلم.
  الأمر الرابع مما اختلفوا فيه: هو أنه هل يرى بهذه الحاسة أو بغيرها؟
  فقالت الأشعرية: يرى بهذه الحاسة. وقال ضرار: لا، بل يرى بحاسة سادسة غير هذه الخمس يخلقها الله تعالى في الإنسان.
  الخامس: هل يرى بهذه الحاسة من غير معنى هو الإدراك؟ ذهبت المجسمة إلى أنه يرى بها من غير معنى. وقالت الأشعرية: يرى بمعنى هو الإدراك يخلقه الله تعالى في الحاسة، وهكذا عندهم في كل المدركات أنها تدرك بمعنى هو الإدراك.
  السادس: هل يدرك بغير حاسة البصر؟ قيل: لا قائل بذلك إلا رواية عن الأشعري مغمورة أنه تعالى يدرك بجميع الحواس(١)، قالوا: وإدراكه بها ثواب وجزاء لها. فهذا جملة ما اختلف فيه المثبتون للرؤية؛ وقد تحصل في المسألة إطلاقان: منع الرؤية مطلقًا، أي أنه لا يرى نفسه ولا يراه غيره، وهذا قول أئمة العدل. وإثباتها مطلقًا، أي أنه يرى نفسه ويراه غيره، على حسب الاختلاف السابق، وهذا قول الحشوية وأكثر المجبرة كما مر، وبقي في المسألة تفصيل، وهو أنه يرى
(١) أي حاسة السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ويلزمهم أن يكون مشمومًا وملموسًا إل آخره. تمت. مؤلف.