تفسير قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين 67 قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقر
  على أنه يجوز وصف الله تعالى بأنه ليس بغافل، ومنعه القاضي؛ لإيهامه جواز الغفلة عليه تعالى.
  وأجيب بأن نفي الصفة عن الشيء لا يستلزم ثبوت صحتها عليه؛ بدليل قوله تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}[البقرة: ٢٥٥] {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ}، وقد يقال هذا استدلال بمحل النزاع فإن قوله: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}[البقرة: ٢٥٥] مثل قوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ٧٤}[البقرة] ولا نزاع في أن إطلاق ذلك جائز من الله تعالى، وإنما الخلاف في جواز إطلاقنا عليه ما أطلقه على نفسه مما فيه إيهام، فمنعه بعضهم، وجوزه آخرون، وقد تقدم لنا بحث في هذا في قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦].
  قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ٧٥}[البقرة] يدل على أن العالم المعاند أبعد من الرشد، وأقرب إلى الإياس من رشده؛ لمكابرته الحق بعد العلم به. وفيه دلالة على أن كلام الله تعالى هو ما بأيدي الخلق، الجاري على ألسنتهم، المكتوب في دفاترهم؛ إذ لم يسمعوا إلا ذلك، ولم يتعلق التحريف إلا به. وتدل على أن الإيمان من قِبَلِهم، وإلا لما تغير حال الطمع فيهم بسبب تحريف فريق منهم، ولما كان تسلية لرسول ÷ وللمؤمنين؛ لأنه لو كان من فعل الله لتوقف حصوله على خلقه فيهم، وزواله على عدم خلقه فيهم، لا على تحريف بعضهم؛ ويدل على ذلك أيضًا ما تضمنته الآية من التقريع والتوبيخ، من حيث إنهم فعلوه وهم يعلمون صحته، ولو كان يخلق فيهم لاستوى حال علمهم وعدمه.