مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الخامسة: [الجواب على شبهة المجبرة بأن الله يأمر بما لا يريد]

صفحة 3779 - الجزء 6

  على قضية عقولكم، وهي أن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء جميعها؛ لعدم الاختصاص والفارق. والحكمة في توقف الإحياء على ذبح البقرة وضربه ببعضها، وإن كان قادرًا على ذلك بلا واسطة ما في ذبح البقرة من التقرب إلى الله، وأداء التكليف، واكتساب الثواب، والإشعار بحسن تقديم القربة على الطلب، وما في التشديد عليهم لتشديدهم من اللطف لهم والآخرين في ترك التشديد، والمسارعة إلى امتثال أوامر الله من غير تفتيش، وتكثير سؤال، وغير ذلك. وفيه دليل على صحة الاستدلال بالقياس العقلي، وقد تقدمت الإشارة إليه في قوله: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٤}⁣[البقرة].

  قوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}⁣[البقرة: ٧٤] هذا خرج مخرج الذم، ومعناه استبعاد وقوع القسوة منهم من بعد ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها؛ عبر عن نبوء القلوب عن الاعتبار وأن المواعظ لا تؤثر فيها بالقسوة الشديدة، مبالغة في وصف هذه القلوب بعدم الانقياد والقبول لأوامر الله، وهذا يدل على أن دوامهم على العناد والكفر واقع باختيارهم، وإلا لما حسن ذمهم عليه، ولكانت لهم الحجة على من خاطبهم بهذا الكلام؛ إذ كانوا يقولون: إن الذي خلق الصلابة في الحجارة هو الذي خلق في قلوبنا القسوة، والخالق في الحجارة انفجار الأنهار قادر على أن يخلق فينا الإيمان، فلما لم يفعل ذلك كان عذرنا واضحًا؛ فتكون الحجة لهم بهذا الاعتبار. والله الموفق.

  قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ٧٤}⁣[البقرة] فيه وعيد شديد، وزجر عن مخالفة أوامر الله وارتكاب مناهيه، وتهديد. وظاهره يدل