مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 3810 - الجزء 6

  قال الإمام المهدي: سبب نزولها أن جماعة من المسلمين واليهود تذاكروا في أمر العقاب، فادعى كل فريق منهم أن الله تعالى يهب مسيئهم لمحسنهم ويعفو عنه، فنزلت ردًا عليهم، وأخبرهم أن رجاءهم العفو عن معاصيهم إنما هو أماني باطلة لا برهان عليها، ثم أكد ذلك بقوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} أي لابد من الجزاء للعاصي منكم أيها المسلمون، ومن أهل الكتاب. وهذه الآية كما قال الإمام # صريحة في نفي الإرجاء؛ لا تقبل التأويل، ولا تحتمل التخصيص بآيات الوعد كما يحتمل غيرها؛ لأن في تخصيصها نقضًا لما سيقت له من الرد على من أرجى من المسلمين واليهود.

  قال النجري: وكذا كل عام لا يصح أن يخص بخروج سببه؛ إذ يلزم منه التناقض؛ لأن تناوله لسببه قطعي، فلا يصح إخراجه منه.

  قلت: وبما ذكر في سبب نزولها يبطل ما رواه البغوي عن عائشة، من أن المراد يجزى به في الدنيا. ومن ذلك: قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}⁣[النساء: ١٤] والآية وردت في فساق أهل الصلاة بالاتفاق؛ لأنها نزلت في المواريث وبيان حدودها، ثم توعد من يعصيه في تلك الحدود بإدخاله النار، ويدل على أن الوعيد ورد على المعصية فيها قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}⁣[البقرة: ٢٢٩] ولا شبهة في أن المراد الحدود المذكورة.

  قال القرشي: قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ}⁣[البقرة: ٢٢٩] إشارة إلى حدود محصورة، فقوله عقيب ذلك: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ}⁣[البقرة: ٢٢٩] يجب أن يصرف إليها.