مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 3816 - الجزء 6

  من الله خلف الوعيد، ومهدنا قاعدة يعرف بها ما يحسن فيه خلف الوعيد وما لا يحسن فيه ذلك، فارجع إليه فإنه مفيد، وقد اكتفينا به عن التكرار.

  واعلم أن هذه الآيات كما دلت على أن العاصي معاقب لا محالة. ففيها ما يدل على دوام عقابه؛ للتصريح فيها بالخلود، وقد مر في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...}⁣[البقرة: ٢٥] الآية أن الخلود الدوام، وفي الحادية عشرة من مسائل هذه الآية أخبار تدل على ذلك.

  وقال في القاموس الخُلد بالضم: البقاء والدوام، كالخلود، وخلد خلودًا: دام، وبالمكان: أقام فيه، كأخلد وخلد فيهما. يعني الزمان والمكان. ومثله كلام صاحب الكشاف، وهو نص في أن الخلود الدوام، خصوصًا في الزمان، وأما المكان فالمفهوم من هذا أنه فيه مطلق محتمل للتأبيد وعدمه، لكن قد ورد في آيات كثيرة تقييده بالتأبيد، وبه يندفع احتمال كونه المكث المنقطع، سواء كان طويلًا أم لا.

  فإن قيل: الأبد قد يكون بمعنى الدوام، وبمعنى مطلق الإقامة، كما يدل عليه كلام صاحب القاموس، ولفظه: الأَبَد محرك الدهر، الجمع آباد وأبود، والدائم، والقديم الأزلي؛ أبد بالمكان. ويؤيد أبودًا: أقام، والتأبيد: التخليد.

  قيل: أما مع الجمع بينه وبين الخلود فالظاهر أنه نص في الدوام، وإلا كان تكرارًا لمعنى الخلود وتأكيدًا له، والتأسيس خير من التأكيد، وتؤيده الأحاديث المتقدمة. والله أعلم.