الموضع الثالث في شبه الخصوم [في مسألة الخروج من النار]
  وأما الخصوم فتجويزهم لذلك ظاهر من أصحابنا، والخلاف في ذلك لأبي القاسم البلخي، وبشر بن المعتمر، فقالا بمنعه عقلًا، وحكاه السيد مانكديم عن البغدادية وقال: إنهم أوجبوا على الله أن يفعل بالعصاة ما يستحقونه لا محالة، ولا يجوز أن يعفو عنهم. قال: فصار العقاب عندهم أعلى حالًا في الوجوب من الثواب. فإن الثواب عندهم لا يجب إلا من حيث الجود. والعقاب يجب فعله على كل حال.
  احتج الأولون بأن العقاب حق الله، وله إسقاطه حيث لا إضرار بالغير. كالدين: وهذا ضروري.
  فإن قيل: شكر المنعم حق له فيلزم أن يصح إسقاطه، والمعلوم أنه لا يسقط بالإسقاط.
  قيل: الواجبات المتعلقة بالغير منقسمة إلى ما لا وجه لوجوبه إلا كونه حقًا للغير، وذلك كقضاء الدين ورد الوديعة، فهذا لا إشكال في إسقاطه بإسقاط صاحبه؛ إذ يزول وجه الوجوب بإسقاطه، وإلى ما هو واجب في نفسه وإن كان متعلقًا بالغير، كالشكر ومعرفة الله، فإن الشكر إنما وجب لكونه اعترافًا بنعمة واصلة، وهذا الوجه لا يسقط بإسقاط المنعم؛ لأن إسقاطه يتضمن إباحة إنكاره، وإنكاره كذب، فإسقاط الشكر جار مجرى إباحة الكذب، وإباحته لا تؤثر في جوازه. فكذلك إسقاط الشكر؛ لا يقال: لا نسلم أن إسقاط الشكر إباحة للإنكار، وإنما يتضمن سقوط وجوب الإظهار عند التهمة، وهذا ليس بإباحة للكذب؛ لأنا نقول: سكوته عند تهمته بالإنكار جار مجرى الإقرار بإنكاره؛ لتوفر دواعيه إلى دفع التهمة عن نفسه، فإذا لم يفعل