مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 81}

صفحة 3909 - الجزء 6

  دلنا ذلك على إنكاره، كما لو نطق به، كما أن من توفرت دواعيه إلى الفعل وانتفت الصوارف عنه نقطع بأنه يفعل، فإن لم يفعل قطعنا بأنه غير قادر، فلما جرى السكوت مجرى النطق بالإنكار كانت إباحته كإباحة الإنكار.

  وأما معرفة الله فهي وإن كانت متعلقة بالغير فوجه وجوبها لا يسقط بإسقاط من تعلقت به؛ لأنها وجبت لكونها لطفًا، لا لكونها حقًا له تعالى. وهكذا يقال في المدح حيث يجب، فإنه لا يسقط بإسقاط الممدوح، بمثل ما ذكرنا في الشكر؛ ومثله الذم، حق للمساء إليه وليس له إسقاطه؛ وفرق بينه وبين العقاب السيد مانكديم بأن العقاب حق الله على الخصوص والذم حق للمساء إليه وللمسيء. ولجميع العقلاء. فإنهم إذا تيقنوا أنهم يذمون على الإساءة لا يقدمون عليها، أو يكونون أقرب إلى عدم الإقدام عليها؛ وحاصله أن وجه استحقاقه لكون فيه لطفًا لا لكونه حقًا للمساء إليه.

  فإن قيل: أليس الثواب حقًا خالصًا للمثاب وليس له إسقاطه؟ فكذلك العقاب لا يكون لمستحقه إسقاطه.

  قيل: الحق إنما يصح إسقاطه حيث كان استيفاؤه إلى المستحق، ولم يكن كالمحجور عليه؛ ولهذا فإن الصبي لما لم يكن استيفاء حقه إليه لم يصح منه إسقاطه؛ وليس كذلك الثواب، فإن العبد كالملجأ إلى عدم إسقاطه. هكذا ذكره السيد مانكديم؛ ولعله أراد بكونه كالملجأ أن الثواب واجب على الله إيصاله إلى مستحقه، والباري جل وعلا لا يخل بواجب، فكأن العبد كالملجأ إلى قبوله وعدم إسقاطه. والله أعلم.