مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية [الاختلاف في حقيقة الحمد]

صفحة 536 - الجزء 1

  وهي محدثة، ولا مانع من حمده لنفسه قبل وجود العالم بهذا الاعتبار عند من أثبت حمد الله تعالى لنفسه، لكن لا ينبغي إطلاق كونه في الأزل لإيهامه القدم الذي لا أول له.

  هذا وأما استحقاقه للحمد من غيره في الأزل بالفعل فلا أظن أحداً يقول به؛ إذ الحمد من جملة العبادة ولا مخلوق في الأزل يستحق عليه العبادة، ولما قال القطب الراوندي في شرح قول أمير المؤمنين # في نهج البلاغة: (الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون)، ما لفظه: المعنى أن الحمد كل الحمد ثابت للمعبود الذي حقت العبادة له في الأزل، واستحقها حين خلق الخلق، وأنعم بأصول النعم التي يستحق بها العبادة، اعترضه ابن أبي الحديد بأن ظاهر كلامه متناقض لأنه إذا كان إنما استحقها حين خلق الخلق فكيف يقال: إنه استحقها في الأزل، وهل يكون في الأزل مخلوق يستحق عليه العبادة.

  قال: واعلم أن المتكلمين لا يطلقون على الباري سبحانه أنه معبود في الأزل ومستحق للعبادة في الأزل إلا بالقوة⁣(⁣١) لا بالفعل؛ لأنه ليس في الأزل مكلف يعبده تعالى، ولا أنعم على أحد في الأزل بنعمة يستحق بها العبادة حتى أنهم قالوا في الأثر الوارد: يا قديم الإحسان أن معناه أن إحسانه متقادم العهد لا أنه قديم حقيقة كما جاء في الكتاب العزيز: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ٣٩}⁣[يس] أي الذي قد توالت عليه الأزمنة المتطاولة.


(١) ومعنى استحقاقه بالقوة أنه أهل لأن يحسن فهو أهل لأن يعبد. تمت مؤلف.