قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  الثاني: أن أحدنا كما يختار الحسن لجلب نفع أو دفع ضرر، فقد يختاره لحسنه ولكونه إحساناً، ألا ترى أنه لو خير إنسان بين الصدق والكذب، وكان النفع فيهما مستوياً فإنه يختار الصدق، وما ذاك إلا لحسنه، وكذلك الملحد الدنيء الذي لا يخاف ذماً ولا عقاباً، ولا يبالي بالمدح والثواب، فإنه يستحسن إنقاذ الغريق وإرشاد الضال، لا يقال: إنما يختار الصدق ويستحسن الانقاذ ونحوه لما مر في المقدمة من انغراس استحسان الصدق ونحوه في زمن الصبا، وأنه يستحسن الإنقاذ ونحوه لرقة الطبع ونحوه؛ لأنا نفرض الكلام في أول المتواطئين لم حكموا بحسن الصدق وقبح الكذب، وبدفع كون وجه استحسان الإنقاذ رقة الطبع بأنه يستحسنه وإن لم يكن هناك غرق.
  الوجه الثالث: ما ذكره قاضي القضاة وهو أنه لو لم يفعل الحسن إلا لنفع، أو دفع لم يوجد في عالم الله منعم على غيره؛ لأن المنعم لا يكون منعماً إلا إذا قصد الإحسان إلى الغير، ولهذا فإن البزاز إذا قدم إلى المشتري الثياب الفاخرة ليأخذ الثمن منه لم يكن منعماً عليه؛ لما كان غرضه نفع نفسه لا نفع المشتري، فثبت أن اختيارنا للحسن قد يكون للإحسان، وبه تبطل الملازمة التي ذكروها، وثبت أن الله تعالى يفعل الحسن لحسنه، ولكونه إحساناً.
  الاعتراض الخامس: أن كلامكم في هذا القياس مبني على أنه لا يوجد الفعل إلا لداع، ولا وجه لذلك إلا أن الفاعل عدل حكيم لا يفعل إلا لداع، وإلا كان عبثاً، هذا دور.