المسألة السابعة [استطراد لذكر الحسن والقبح العقليين]
  مثلاً بحسن الصدق وقبح الكذب، ثم فرضنا أنه جاء دليل شرعي بأن الكذب الذي فيه عصمة نبي واجب، والصدق الذي به هلاكه حرام لم ينقض علينا قاعدة الحسن والقبح، بل ولا هذه الصورة التي أدرك حكمها العقل؛ لأنه إنما أدرك حسن صدق غير مقيد بكونه يهلك به نبي، وقبح كذب غير مقيد بكونه ينجو به نبي.
  يحكى عن بعض أهل البوادي أنهم يبيتون الضيف مع أزاوجهم ومحارمهم، ويقولون: هم أكرم الناس للضيف، فهؤلاء ضموا إلى إكرام الضيف هذه الخسة، وسموا المجموع بإكرام الضيف، والذي يفعل ذلك إنما يسمى ديوثاً ونحوه، وإكرام الضيف إنما هو جزء فعلهم هذا، وهو إكرام الضيف فيما عدا هذه الخسة، ومع تناهي فعلهم هذا في القبح لا يخرج إكرام الضيف من كونه من أشرف الخصال، وأفضلها، ولا يكاد فعل يخلو عن مفسدة ولو مجرد المشقة، وفوات الدعة، ولا عن مصلحة ولو اللذة، وإطلاق عنان النفس فإنها ما منعت من شيء إلا اشتاقت إليه، ولكن يعتبر الأرجح، ويضمحل عنده المرجوح، وهذا يحتاج إلى معاودة التأمل، وعدم الاستعجال مع نقاوة غريزة، وذهن صاف سيال.
  قال: فإن قلت: هذا يخالف قولهم قبح الكذب لكونه كذباً، والظلم لكونه ظلماً، والعلة موجودة بتمامها مع كل عارض مقدر في الكذب؛ لأن حقيقته مقررة لا تزول إلا بزواله بخلاف الظن. قلت: إنما حكمنا بقبح ما أدرك العقل قبحه بضرورته، وأما تصيدكم العلة، ثم إلحاق ما لم تدركه الضرورة العقلية، فلا يفيد اليقين لعدم القطع