المسألة السابعة [استطراد لذكر الحسن والقبح العقليين]
  عليه النفع والضرر، ولا اللذة والألم. واعلم أن في كلامهم أنه لو كان يقبح من الله ما يقبح من العباد لقبح منه التكليف، ولكان الإهمال أحسن.
  وجوابه: أنا قد بينا فيما مضى أن الله تعالى لا يفعل إلا لحكمة، وأوضحنا وجه الحكمة في التكليف بما يحصل به القطع بحسنه، وأيضاً لا نسلم حسن الإهمال فضلاً عن كونه أحسن، بل نقول بقبحه؛ لأنه إذا خلقهم لا لنفعهم ولا لنفعه، ولا لنفع غيرهم كان خلقهم عبثاً كما قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}[المؤمنون: ١١٥] وقد بطل أن يكون خلقهم لنفعه بما مر، ولم يقم دليل على أنه خلقهم لنفع غيرهم، فتعين أنه خلقهم لنفعهم، فمن فاته النفع فمن نفسه أتي، وقد أجاب بمعنى هذا القاسم بن إبراهيم # على الملحد، فقال: وأما قولك لم امتحن امتحانات عطب أكثرهم عندها؟ فإنا نقول في ذلك ولا قوة إلا بالله: إن الله سبحانه إنما امتحانه وأمره ونهيه داعية له إلى الحكمة، فالمأمور من قبل نفسه عطب؛ لأنه لم يأتمر بما أمره الله به سبحانه، ولا انتهى عما نهي عنه، ولو كان انتهى عما نهي عنه، وركب ما أمر به لكان يؤديه ذلك إلى الفوز العظيم، فهو من قبل نفسه عطب لا من قبل الله ø، مثال ذلك فيما نعرفه أن حكيماً من حكمائنا لو أعطى عبيداً له دراهم، وقال لهم: اتجروا فإن ربحتم ولم تفسدوا فأنا معطيكم ما يكفيكم، وإن لم تفعلوا عاقبتكم فأطاعه منهم قوم، وعصاه آخرون لم ترجع اللائمة عليه بعصيانهم إياه، ولكنها لاحقة بهم حين عصوه، ولم يخرج دعاء سيدهم إياهم