قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  فإنه يقبح من هذا الآمر العقاب؛ لأنه لم يتقدم نهي عن المخالفة، ولا توعد عليها، والتكليف لا يحسن إلا مع الزجر عنها، فلو فرضنا زجر السيد لعبيده لقلنا بحسن عقابه على المخالفة، وأن ذلك لا يقدح في حسن التكليف كما تقدم في كلام القاسم #.
  الوجه الثالث: أن هذا الأمر إنما عاقب المأمور لمجرد تفويته نفع نفسه، والعقاب على مثل هذ قبيح، وأما عقاب الله تعالى للعاصي فليس على هذا الوجه، بل لمخالفته لأمر المالك المنعم بترك الواجب، وارتكاب القبائح، والمعلوم عند العقلاء أن من خالف أمر المالك المنعم فترك ما أمر به، وارتكب ما نهى عنه مع أنه قد حذره عاقبة المخالفة، وقدم إليه بالوعيد، فإنه يستحق العقاب، وإذا كان العقاب مستحقاً فلا إشكال في حسن استيفاء المستحق، وأيضاً فإن العاصي لسيده المنعم عليه يستحق الذم، وسيأتي أن العقاب يستحق بما يستحق به الذم، ويسقط بما يسقطه.
  وبعد، فإنا قد قدمنا عن المنصور بالله # أن إكمال العقل حسن، وأن كماله يقتضي وجوب واجبات عقلية، وأن في الأفعال ما يقرب من هذه الواجبات، وأن هذه المقربات تجب لوجوب الواجبات العقلية، وثبت أن هذه الواجبات الشرعية لطف في العقلية، فوجب في حكمة الحكيم التعبد بها.
  قلت: وبما قررنا ثبت الفرق بين المثال ومسألة التكليف، وما يترتب عليها، وثبت حسن التكليف، وحسن العقاب المرتب عليه عقلاً، بحيث لو فرضنا وقوع مثله من أحدنا على هذا الوجه لم يقبح منا،