قوله تعالى: {الحمد لله رب العالمين 2}
  الناس من أهل الإسلام وغيرهم أن ملازمة الجسم للحوادث يستلزم حدوثه، وخالف ابن الراوندي وحكاه في المنهاج عن الفلاسفة، وفي غيره عن بعضهم فقالوا بقدم الجسم مع أنه لا يخلو من الأعراض المحدثة قالوا: لكنها تتداول عليه ويحدث منها حادث قبله حادث إلى ما لا نهاية له من قبل أوله، فالجسم عندهم قديم والأعراض محدثة.
  قال النجري: ومعنى أنها محدثة أن كل واحد من أحادها محدث وإلا فجملتها قديمة عندهم.
  لنا أن الجسم إذا لم يخل من الحوادث(١) ولم يتقدمها وجب أن يكون وجوده كوجودها، وقد ثبت بما مر أنه لم يخل منها ولم يتقدمها وأنها محدثة، فوجب في الجسم مثلها كالتوأمين إذا ولدا معاً فإنه إذا كان لأحدهما عشر سنين وجب أن يكون للآخر مثله.
  فإن قيل: الجسم لا يخلو من العرض ولا يجب أن يكون عرضاً مثله، فكذلك لا يجب أن يكون محدثاً مثله، قيل: إنما وجب أن يكون محدثاً مثله ولم يجب أن يكون عرضاً؛ لأن ما ذكرناه إنما اقتضى اشتراكهما في الحدوث لا في الجنس، ألا ترى أن السواد والبياض إذا وجدا فإنما يجب اشتراكهما في الوجود دون الجنسية، وكذلك فإن التوأمين إنما يشتركان في الحدوث دون الجنسية لجواز كون أحدهما عربيا والآخر عجميا، فكذلك الجسم إذا لم يخل من المحدث فقد شاركه في حقيقة الحدوث ولم يشاركه في حقيقة العرضية، فلزم الأول دون الثاني، وإنما يلزم أن يكون الجسم عرضاً لملازمته للعرض لو كانت العلة في
(١) وهي الأعراض. تمت مؤلف.