مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير الآية الرابعة من سورة الفاتحة {مالك يوم الدين 4}

صفحة 884 - الجزء 2

  ولم نرتكب ما يوجب العيب لأنا لا نقيس إلا لعلة جامعة، وأما قياسهم فنطالبهم بتعيين الرابطة.

  ثم إنا نقول: إن صح فهو حجة عليكم؛ لأن من المعلوم أن ملوك الدنيا إذا استعملوا اللطف في غير محله والقهر لغير أهله فإنهم يلامون ويذمون، وينسبون إلى الظلم والسفه وسوء التدبير، فلم لا تنزهون ملك الملوك وأغنى الأغنياء عن هذه الرذائل والقبائح!

  وأما قولهم: إنه خلق لكل صفة مظهراً، فجوابه: أن يقال: هل خلق ذلك المظهر⁣(⁣١) للصفة، وكلفه على ما تقتضيه حكمته وعدله بأن أقدره وأعلمه ودعاه أم لا؟ إن كان الأول فهو قولنا، وإن كان الثاني فقد تكرر بيان قبح عقاب من لا قدرة له ولا فعل، وهل هو إلا مثل قولهم: خلقهم للجنة والنار.

  وأما قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}⁣[الأنبياء: ٢٣] فلا حجة لهم في ظاهرها إذ ليس المعنى إلا أن أفعاله كلها جارية على العدل والحكمة لا يكون فيها خطأ ولا قبيح حتى يسأل عنه، بخلاف العباد، فإنهم خطاؤون جديرون بأن يسألوا عن أفعالهم، يدل على صحة هذا المعنى أن الآية مسوقة للفرق بين أفعال الله تعالى وأفعال خلقه، وفيها أيضا دليل على صحة مذهب العدلية، إذ لو كان هو الفاعل لأعمال العباد لكانت غير مسؤول عنها كسائر أفعاله، وفيها أيضًا دليل على ثبوت الجزاء على الأعمال وإلا فما فائدة السؤال!


(١) وهو المكلف. تمت مؤلف.