المسألة الرابعة [دلالة الآية على البعث]
  أعمال المطيعين ولم يثابوا، وانقضت آجال العاصين ولم يعاقبوا وجب على قود التوحيد واطراد الحكمة أن دارًا بعد هذه الدار يثاب فيها المطيعون ويعاقب فيها المسيئون، وهذه أمور أوجبتها الفطرة. وللقاسم بن إبراهيم والإمام أحمد بن سليمان # نحوه.
  وروي أن عبد المطلب - وكان مقراً بالله وبالبعث - كان يقول: إنه لن يخرج من الدنيا ضلول حتى ينتقم الله منه، فقيل له: إن فلانا مات حتف أنفه؟ فأطرق ساعة، فقال: لا بد من دار غير هذه الدار يجزى فيها المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
  وقال الرازي: قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤}[الفاتحة] أي: مالك يوم البعث والجزاء، وتقريره أنه لا بد من الفرق بين المحسن والمسيء، والمطيع والعاصي، والموافق والمخالف، وذلك لا يظهر إلا في يوم الجزاء كما قال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا ...}[النجم: ٣١] الآية، ثم قال: واعلم أن من سلط(١) الظالم على المظلوم ثم إنه لا ينتقم منه فذاك إما للعجز أو للجهل، أو لكونه راضيا بذلك الظلم، وهذه الصفات الثلاث على الله محال فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظالمين، ولما لم يحصل هذا الانتقام في دار الدنيا وجب أن يحصل في دار أخرى بعد دار الدنيا، وذلك هو المراد بقوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ٤}[الفاتحة] وبقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٧ ...}[الزلزلة] الآية.
  قلت: وقد تضمن كلامه هذا الإقرار بمذاهب العدلية والاعتماد عليها، وهو اللائق بمثله. وهذا الدليل العقلي كما دل على ثبوت
(١) التسليط ها هنا بمعنى التخلية كما يدل عليه قوله: (أو لكونه راضياً بذلك). تمت مؤلف.