تفسير الآية الرابعة من سورة الفاتحة {مالك يوم الدين 4}
  إلجاء، وإذا لم يكن فرق عندهم فإنهم يقولون حين يشاهدون العذاب: تبنا كالتائبين وأطعنا كالطائعين فلم تعذبنا ولم تقبل منا كما قبلت منهم وهم أحياء مثلنا، ونحن وهم في دار واحدة، ومع الفناء ثم البعث يعلمون الله ضرورة، ويعلمون أن الواصل إليهم جزاء على أعمالهم قطعا لتقدم إخبار الله تعالى لهم بذلك في الدنيا على ألسنة الرسل، ولإخبارهم في الآخرة بذلك، فيكون أعظم حسرة على العاصين، وأتم سرورًا للمثابين، وتنتفي حجة الأشقياء على الله فلا يمكنهم المساواة بين فعل الطاعة والتوبة في دار التكليف، وبين فعلهما في دار الجزاء. والله أعلم.
  فإن قيل: ما المانع من خلق العلم الضروري في الدنيا؟ قيل: كونها دار تكليف، وخلق العلم الضروري فيها ينافي التكليف؛ لأنه يصير ملجأ إلى الفعل والترك كما مر.
  قلت: وكل هذه الوجوه تفيد وجوب الفناء على الله تعالى، إلا أن الإمام القاسم # لا يطلق الوجوب على الله سبحانه. وفي الدامغ: أن أبا هاشم ذكر في بعض المواضع: أن تبقيتهم أحياء وقد زال التكليف كإفنائهم وموتهم، فإذا حسن ذلك لينفصل حال التكليف من حال الإثابة كذلك الفناء.
  قال الإمام المهدي #: فعلى هذا لا يكون الفناء واجبًا على الله تعالى بعينه؛ إذ تبقيتهم أحياء غير مكلفين يقوم مقامه في الغرض المقصود بفعله، وقد دل السمع أنه لا بد من الفناء، فاقتضى أنه أرجح في حصول المقصود من تبقيتهم غير مكلفين.