تفسير الآية الرابعة من سورة الفاتحة {مالك يوم الدين 4}
  الوجه الثالث: ذكره الإمام القاسم بن محمد # وهو مجموع ثلاثة أمور:
  أحدها: أن الله تعالى قد علم أن أكثر العصاة لا يعلمون الله تعالى في الدنيا لأن معرفته تعالى فيها استدلالية، وهم لم ينظروا في أدلة ثبوت الصانع المختار نظراً صحيحاً، بل اتبعوا الشبهة فقدحت في نفوسهم وضلت لأجل ذلك عقولهم، فلم يعلموا وجوده بل نفوه، فلو عاقبهم على ذلك في الدنيا من دون خلق شيء فيهم يعلمون به ضرورة أن ذلك العقاب جزاء على عصيانهم لم يعرفوا كونه عقوبة، بل يعدونه من نكبات الدهر كما يزعمون أن الذي يهلك ويمرض هو الدهر، وحينئذ لا يحصل لهم العلم بقبح عصيانهم وكفرهم لعدم علمهم بأن العقوبة كانت عليه، فيكون ذلك إغراء لهم بالزيادة في المعاصي والتمادي فيها، وذلك قبيح فما أدى إليه(١) يكون قبيحا.
  ثانيها: أنه تعالى قد علم أن أكثر الممتحنين لو جُوْزُوا في الدنيا مع عدم مثل ذلك(٢) لم يعلموا ضرورة أن الواصل إليهم جزاء على أعمالهم الصالحة لتجويز أنه من سائر التفضلات.
  ثالثها: أنه لو وقع الجزاء مع عدم خلق العلم الضروري بما ذكر لكان في ذلك إثبات الحجة للأشقياء على الله تعالى؛ لأن مع عدمه لا يكون عندهم فرق بين من يخاف الله مع عدم علمه الضروري به وبعقابه، وبين من لا يخافه إلا عند مشاهدة العذاب التي هي حالة
(١) وهو المعاقبة من دون فناء. تمت مؤلف.
(٢) أي مع عدم خلق ما يعلمون به ضرورة أن الواصل إليهم جزاء على إحسانهم. تمت مؤلف.