مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الخامسة [مقام العبادة]

صفحة 903 - الجزء 2

  وفائدة العمر، وحاصل العبيد الأقوياء، وبضاعة الأولياء، وطريق الأتقياء، وقسمة الأعزة، ومقصد ذوي الهمة، وشعار الكرام، وحرفة الرجال، واختيار أولي الأبصار، وهي سبيل السعادة، ومنهاج الجنة. قال الله تعالى: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ٩٢}⁣[الأنبياء] وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ٢٢}⁣[الإنسان].

  واعلم أن في عبارات بعضهم ما يدل على عدم الفرق بين العبادة والعبودية، ومنهم من فرق بينهما، فقيل: العبادة غاية الخضوع دون العبودية، فالعبادة على هذا أشرف، وقيل: العبادة فعل يرضى به الله تعالى، والعبودية الرضا بما فعل الله تعالى، وعلى هذا تكون العبودية أفضل.

  وقد نص على تفضيلها ابن أبي الحديد وقال: هي أمر وراء العبادة معناها: التعبد والتذلل، وقالوا: العبادة لعوام المؤمنين، والعبودية للخواص من السالكين، وقال أبو علي الدقاق: العبادة لمن له علم اليقين، والعبودية لمن له عين القين، وقيل في الفرق بينهما غير ذلك، وقد فضل بعضهم العبودية على الرسالة؛ لأن بالعبودية ينصرف من الخلق إلى الحق، وبالرسالة ينصرف من الحق إلى الخلق، وبالعبودية ينصرف عن التصرفات، وبالرسالة يقبل على التصرفات إلى غير ذلك من العلل الباردة وهو غلو وتمويه، وإلا فانصراف الرسول وتصرفاته صادرة عن أمر الله فهي من أعظم العبادات، وكيف تكون العبودية التي يكون غالب نفعها عائد على صاحبها فقط أشرف من الرسالة التي يعم نفعها عالم من الخلق؟! ولو لم يكن في تفضيل الرسالة إلا قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}⁣[الأنعام: ١٢٤] لكان كافيا في إبطال قولهم ورد لجاجهم. والله الموفق.