مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم 6} من سورة الفاتحة

صفحة 921 - الجزء 2

  الثاني: أن المراد طلب التوفيق بمنح الألطاف وزيادة الهدى الموعود به في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}⁣[محمد: ١٧] وعليه يحمل تفسير ابن عباس لها بالإلهام، وهذا اختيار جماعة منهم: ابن جرير والزمخشري؛ إذ لا يجوز أن يكون المقصود طلب الدلالة والبيان، فإن من خص الله تعالى بالحمد والثناء وحصر العبادة والاستعانة فيه لا يكون إلا مهتديًا، فلو كان طالبا لذلك لكان من طلب تحصيل الحاصل، وأيضا فإنه تعالى عدل لا يكلفنا إلا بعد الهداية التي بمعنى البيان والدلالة، وإلا كان تكليفا بما لا يعلم وهو قبيح، فتعين أن المراد به التوفيق المذكور والمعونة، ولا يجوز أن يكون طلبا للزيادة في المعونة على ما قد مضى من عمله؛ لأن ما قد مضى وانقضى لا يحتاج إلى المعونة فيه قطعا، وإنما يحتاج إلى المعونة في العمل المستقبل، ذكر معناه ابن جرير.

  الثالث: أن المعنى هو سؤال الهداية إلى الجنة في الآخرة أي: أسلكنا طريق الجنة في المعاد، وقدمنا له وامضِ بنا إليه كما في قوله: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ٢٣}⁣[الصافات](⁣١) وكما تهدى المرأة إلى زوجها أي: تدخل إليه، والهدية إلى الرجل أي: توصل وتقدم إليه، ورد بأن قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٥}⁣[الفاتحة] طلب للمعونة على العبادة، فكذلك يجب أن يكون قوله: {اهْدِنَا} طلباً للثبات والمعونة عليها حفظا لنظم القرآن عن عدم التلاؤم، وأيضًا فإن المفسرين من الصحابة وغيرهم كالمجمعين على أن معنى الصراط هنا غير طريق الجنة.


(١) أي أدخلوهم النار. تمت مؤلف.