المسألة الأولى [معنى النعمة]
  قلت: وقد مر ما فيه من النظر، على أنا لا نسلم خلو تلك المطالبة بالدين وترك المعاقبة للعاصي من فعل لأن قصد الإحسان معتبر في حد النعمة وهو فعل وغايته أنه لا يشترط في النعمة نفسها أن تكون فعلا لكن مصاحبة الفعل المذكور لها كاف، هذا مع أن النعمة في الحقيقة هي الإحسان سواء كان إحسانًا بفعل أو ترك، بدليل أن الشكر ليس إلا على الإحسان وهو عرفانه ونشره والإحسان فعل.
  نعم، أما من يقول: إن الترك فعل فلا إشكال.
تنبيه [في ذكر نعم الله وقسمتها]
  قد ثبت أن نعم الله لا تحصى، والقول الجامع فيها أن الله تعالى لم يخلق خلقا إلا وفيه نعمة، قال الإمام أحمد بن سليمان #: اعلم أنه لا يوجد شيء من خلق الله إلا وفيه نعمة لبعض خلق الله تفضل الله بها عليه، وكذلك لا يفطر العبد على فطرة إلا وفيها له نعمة من الله، ولا يؤمر بأمر إلا وله فيه نعمة، ولا ينهى عن فعل شيء إلا وفي تركه له نعمة معجلة أو مؤجلة.
  وفي شرح الأصول إن المنافع التي خلقها الله للحي ليعرضه لها ثلاثة: التفضل وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وأن لا يوصله، والعوض وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال، والثواب وهو النفع المستحق على سبيل التعظيم والإجلال، ولك أن تورد هذه القسمة على وجه يتردد بين النفي والإثبات ويتضمن معاني هذه الألفاظ فتقول: إن المنافع الواصلة