مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {صراط الذين أنعمت عليهم} من سورة الفاتحة

صفحة 967 - الجزء 2

  فإن قيل: إذا كانت النعم كلها من الله فلا يستحق العبد شكرا على ما أوصله إلى غيره من المنافع، وهو خلاف ما قد قررتموه في مواضع من كتابكم هذا لأئمة العدل من وجوب شكر المنعم كائنا من كان، وسميتم تلك المنافع نعمة؟

  قيل: لما كانت النعم الواصلة من جهة غير الله تعالى لم تحصل لذلك الغير إلا بخلق الله إياها له أو إقداره على تحصيلها ولم يوصلها إلى الغير إلا بالقدرة التي خلقها الله له واهتداء العقل الذي فطره الله عليه إلى حسنها كانت تلك النعم في التحقيق من الله فاستحق عليها الشكر، وهي أيضاً نعم من العبد على من أوصلها إليه لتوقف ذلك على إرادته واختياره فاستحق الشكر كذلك، ولا مانع من استحقاق الباري تعالى للشكر واستحقاق العبد له من هاتين الجهتين، كما لو تعدد المنعمون فإن كل واحد منهم يستحق شكرًا وإن اتحدت النعمة، وقد تقدم قريبا أن بعض أصحابنا لا يشترطون في كون المنعم منعما مباشرة الفعل، بل قالوا: إنه يكون منعما بمجرد السببية وإن لم يكن منه فعل كما مر.

  وفي شرح الأصول ما لفظه: اعلم أن المنعم قد يكون منعما بفعله النعمة ومباشرته لها، وذلك بأن يطعم جائعا أو يكسو عاريا أو يفعل ما يؤدي إلى ذلك، وقد يكون منعما وإن لم يصدر منه فعل أصلا كأن لا يطالب غريمه باليد إما إبراء له أو ترفيها عليه، ونظير ذلك في الغائب عفو الله عن العصاة وأن لا يعاقبهم فإنه ø لو عفا عنهم ولم يعاقبهم لكان منعما عليهم بذلك وإن لم يصدر منه فعل البتة.