المسألة الثالثة [في الدلالة على أن العاصي فاعل للمعصية]
المسألة الثالثة [في الدلالة على أن العاصي فاعل للمعصية]
  غضب الله على العصاة دليل على كونهم الفاعلين للمعصية وإلا لقبح الغضب عليهم، وقالت المجبرة: بل هو دليل على كونه خالق المعصية فيهم، قال الرازي في تقرير احتجاجهم بالآية: قال أصحابنا: لما ذكر غضب الله عليهم وأتبعه بكونهم ضالين دل ذلك على أن غضب الله عليهم علة لكونهم ضالين، وحينئذ تكون صفة الله تعالى مؤثرة في صفة العبد، أما لو قلنا: إن كونهم ضالين يوجب غضب الله عليهم لزم أن تكون صفة العبد مؤثرة في صفة الله تعالى وذلك محال.
  والجواب من وجوه:
  أحدها: أن المعلوم بالضرورة أن معاقبة العبد على فعل غيره ظلم لا يجوز من الله فعله، وقد قال الله تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ٤٩}[الكهف]، وقال: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر: ١٨] وكل مذهب يؤدي إلى مخالفة ضرورة العقل والنقل وجب كونه باطلاً.
  الثاني: أن هذا التقرير الذي ذكروه لا يصدر من عاقل فضلاً عمن يدعي التقدم في العلم، وذلك أن الروايات قد تكاثرت عن النبي ÷ وعن جمهور السلف من آل محمد وغيرهم أن المراد بالمغضوب عليهم اليهود، وبالضالين: النصارى، وادعى ابن أبي حاتم: إجماع المفسرين على ذلك، وقال الرازي: إنه المشهور، وحكى احتمالين آخرين:
  أحدهما: أن المغضوب عليهم كل من أخطأ في الأعمال الظاهرة وهم الفساق، والضالين: كل من أخطأ في الاعتقاد وقال: هو الأولى.