مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثالثة [في الدلالة على أن العاصي فاعل للمعصية]

صفحة 1046 - الجزء 2

  والثاني: أن المغضوب عليهم الكفار، والضالين المنافقون، وعلى كل حال فلا يصح أن يكون ضلال النصارى علة في الغضب على اليهود، وكذلك في الاحتمالين اللذين ذكرهما هذا لا يقول به عاقل.

  الثالث: أن الرازي قد استدل بقوله: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ...}⁣[الفاتحة: ٧] إلخ على تقسيم المكلفين إلى ثلاث فرق: أهل الطاعة وهم المنعم عليهم، وأهل المعصية وهم المغضوب عليهم، وأهل الكفر وهم الضالون فكيف يصح جعل كفر الكافر علة في الغضب على العاصي بغير الكفر، ثم إنه لو جاز ذلك لجاز أن نقول: الغضب على العصاة علة في الإنعام على أهل الطاعة وهو معلوم البطلان؟!

  وأما قولهم: وحينئذ تكون صفة الله مؤثرة في صفة العبد ... الخ فجوابه: أنهم قد ذكروا للغضب في حقه تعالى احتمالات كما مر وقد جعلناها أربعة مسالك، والمعلوم أن تلك المسالك لا يجوز أن يقال في واحد منها أنه يؤثر في ضلال العبد، أما الثاني: وما بعده فظاهر، وأما الأول فلأن إرادة الانتقام لا تؤثر في حصول سبب الانتقام وهو الضلال ضرورة.

  وأما ما ألزمونا به من أنه يلزم من قولنا: إن الضلال سبب للغضب تأثير صفة العبد في صفة الرب، فملتزم أنه لولا المعاصي والضلال لما وقع الغضب، ولا نقول أن صفة الضلال تؤثر الإرادة على معنى أنها توجدها وتحصلها، بل المراد تأثير سبب وهو أن المعصية سبب الإرادة الانتقام، أو الانتقام نفسه، أو نحو ذلك من المعاني السابقة للغضب، وهذا لا محذور فيه، بل لا يجوز غيره، فكيف يقال: إنه محال؟