تفسير قوله تعالى: {ولا الضالين 7} من سورة الفاتحة
  السابع: بمعنى الجزاء على المعصية، ذكره الإمام أحمد بن سليمان #، وقال: إن الإضلال من الله تعالى لا يكون إلا بهذا المعنى كما في الطبع والختم عنده، واستدل على كونه بمعنى الجزاء بقوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ ٤٧}[القمر] والضلال هنا العذاب، وعلى أنه لا يكون من الله إلا كذلك بقوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ...}[آل عمران: ٨٦] الآية، وقوله: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٤}[المطفين] وغيرهما من الآيات، وظاهر استدلاله # أنه قد يكون إضلال الله لهم بهذا المعنى في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فبترك الهداية لهم، والمراد الهداية التي بمعنى التوفيق ونحوه لا التي بمعنى الدلالة لقبح التكليف من دونها، وأما في الآخرة فبالعذاب الدائم، وقد ذكر في موضع آخر أنه يكون بمعنى التسمية والجزاء.
  الثامن: أن ينسب الإضلال إلى الشيء لكونه سببًا فيه بأن يفعل ما عنده يضل، وتكون نسبته إلى ذلك الشيء مجازا، ومنه قوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا}[البقرة: ٢٦] أي: يضل عنده كثير في أحد التأويلات، وذكر الراغب أن الإضلال قد يكون سببه الضلال وذلك فيما كان بمعنى الحكم، وفي أضل التي بمعنى ضل كأضل فلان بعيره؛ إذ الضلال في هذين سبب الإضلال(١)، وقد يكون الإضلال نفسه سببا في الضلال، وهو أن يزين للإنسان الباطل ليضل كقوله تعالى: {أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ}[النساء: ١٣٣] أي: يتحرون أفعالاً
(١) يعني أنه لا يحكم بالضلال إلا بعد وجوده ولا يحكم بأن زيداً أضل بعيره إلا بعد ضلال البعير. تمت مؤلف.