الباب الثاني فيما يتعلق بجملة الفاتحة
  احتج الجمهور بأن الله تعالى وصف القرآن بأنه عربي غيرذي عوج، واعترض بأن المراد أنه عربي في نزوله لا في تلاوته، وغير ذي عوج في معانيه لا في مبانيه والمعنى باق مع العجمية كالعربية.
  وأجيب بأنه خلاف الظاهر، ولأن من أعظم فوائد القرآن معرفة إعجازه ولا شك في فوات ذلك، وكيف يجوز عاقل قيام الترجمة بأي لغة كانت وهي من كلام البشر مقام كلام خالق القوى والقدر.
  واحتجوا ثانياً بأنا مأمورون بقراءة القرآن، ومن قرأ بالفارسية لم يقرأ القرآن، ويدل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا}[فصلت: ٤٤]، فهو نص في أن الله لم يجعله أعجمياً، وهو يستلزم أن كل ما كان أعجميا فليس بقرآن، ولذا قال القفال: إن القراءة بالفارسية لا تتصور، هذا مع أن النبي ÷ ما قرأ في الصلاة إلا هذا القرآن العربي وكذلك الخلفاء والصحابة وسائر أئمة الدين، والواجب علينا اتباعهم وإلا خالفنا قوله تعالى: {اتَّبَعُوهُ}، واتبعنا غير سبيل المؤمنين.
  قال ابن المنذر في الرد على أبي حنيفة ما لفظه: ولا يجزئه ذلك - يعني القراءة بالفارسية - لأنه خلاف ما أمر الله به، وخلاف ما علم النبي ÷، وخلاف جماعات المسلمين، ولا نعلم أحداً وافقه على ما قال.
  ومن أدلة المنع مارواه في الجامع الصغير مرفوعاً: «اقرأوا القرآن بلحون العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الكتابين وأهل الفسق ...» الخبر ونسبه إلى الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب من حديث حذيفة وصححه الشارح، والقاريء بالعجمية غير قارئ بلحون العرب.