مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

{الم 1 ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين 2 الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 3 والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة

صفحة 1408 - الجزء 3

  إلا اسماً للظهور الحقيقي عن الاستتار الحقيقي، وذلك ليس حاصلاً في الزاني والشارب إلا مجازاً، ونحن لا ننازع في صحة المجاز، لكن نقول لك: هل لفظ الفسق حيث أطلق على الزنى باق على حقيقته اللغوية أو غير باق،؟ إن قلت: بأنه باق أكذبتك الضرورة؛ لأنه ليس بظهور عن الاستتار لإضرار ولا لغيره.

  وإن قلت: إنه مستعمل في غير ذلك الوضع.

  قلنا: فهل المستعمل له في الوضع الآخر اللغة أم الشرع؟ إن قلت: اللغة، أكذبتك الضرورة فإن أهل اللغة لم يكونوا يسمون الزني والقتل فسقاً، وإن قلت: بل الشرع، فقد اعترفت بصحة مذهبنا وهو أن الشرع قد نقل بعض الألفاظ عن مجازاتها اللغوية، وإذا أقررت بذلك في الفسق لزمك الإقرار به في الإيمان؛ إذ لا فارق بينهما عند علماء الأمة أصلًا، ولا شك أن الفسق لو كان باقياً على وضعه لسمينا النبي ÷ إذ خرج للجهاد بعد استتاره في بيته فاسقاً، وَلَمَّا علمنا بطلان ذلك تيقَّنا أن هذا الاسم قد نقله الشرع عن وضعه اللغوي إلى معنى آخر. ومن الأدلة العقلية على ما ذهبنا إليه: أنا قد علمنا بعد استقرار الشرع أن لفظ مؤمن مدح على الإطلاق، ولفظ فاسق اسم ذم على الإطلاق، فلا يجوز أن يوصف بهما شخص واحد لتنافيهما، كما لا يحكم له باستحقاق المدح والذم، ولأنه يؤدي إلى اجتماع التعظيم والاستخفاف وهما نقيضان.

  فإن قيل: وما الدليل على أن لفظ مؤمن اسم مدح؟