{الم 1 ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين 2 الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 3 والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة
  في قوله تعالى: {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}[البقرة: ٩٨].
  فإن قيل: فيلزمكم أن يصح الإطلاق بأن الإنسان يعلم الغيب.
  قلنا: قد بينا أن الغيب ينقسم إلى ما عليه دليل، وإلى ما ليس عليه دليل، ويختص الباري تعالى بالثاني، وأما الذي عليه دليل فلا يمتنع أن نقول: نعلم من الغيب ما لنا عليه دليل ويفيد الكلام ولا يلتبس، وعلى هذا الوجه قال العلماء: الاستدلال بالشاهد على الغائب أحد أقسام الأدلة.
  فإن قيل: لفظ الغيب إنما يجوز إطلاقه على من يجوز عليه الحضور، فعلي هذا لا يجوز إطلاق لفظ الغيب على ذات الله تعالى وصفاته.
  قلنا: أطلقه المتكلمون على من لا يجوز عليه الحضور فإنهم يقولون: هذا من باب إلحاق الغائب بالشاهد، ويريدون بالغائب ذات الله تعالى وصفاته وهم أعرف بما يجوز إطلاقه على الباري تعالى وما لا يجوز. وقيل(١): يجوز أن يكون قوله بالغيب في موضع الحال كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ}[الأنبياء: ٤٩] أي: يؤمنون غائبين عن المؤمن به، وهو النبي ÷، ويدل على هذا القول ما رواه أبو سعيد الخدري عن رسول الله ÷ أن رجلاً قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك، قال: «طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني».
(١) الفرق بين هذا وبين قول أبي مسلم أن هذا خاص بمن آمن به ÷ ولم يره، بخلاف قول أبي مسلم فإنه متناول بمن آمن بحضرته ÷، وإنما المراد به مدحه على استمراره على الإيمان عند غيبته عنه، والحاصل أن قوله يدل على أن المراد بالآية الفرق بين المؤمن والمنافق. تمت مؤلف.