مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

{الم 1 ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين 2 الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون 3 والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة

صفحة 1441 - الجزء 3

  ومن السنة ما روي عنه ÷ في حديث عمرو بن قرة حين أتاه فقال: يا رسول الله إن الله كتب على الشقوة فلا أرى أرزق إلا من دفي بكفي فأذن لي في الغناء من غير فاحشة، فقال ÷: «لا آذن لك ولا كرامة ولا نعمة، كذبت أي عدو الله، والله لقد رزقك الله حلالاً طيباً فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله».

  وهذا صريح في أن الرزق قد يكون حراماً، وأما اللغة: فلأن الرزق في لسانهم هو الحظ والنصيب كما تقدم، فمن انتفع بالحرام فقد صار حظاً ونصيباً له فوجب أن يكون رزقاً له.

  فالجواب: أما الآية الكريمة فمعناها أن الله تعالى مكن كل دابة من تناول رزقها وهداها إليه، وهذا التمكين لا يمنع اختيار الترك والعدول إلى الحرام، كما في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ١٢}⁣[الليل] وللحديث المذكور، وحينئذٍ فلا يلزم فيمن أكل الحرام طول عمره أن يكون غير مرزوق لتمكنه من رزقه؛ والحاصل أن الله تعالى لم يضمن تناوله للحلال الذي هو الرزق وانتفاعه به، بل وكله إلى اختياره، وإنما ضمن حصول الرزق وتمكينه منه. والله أعلم.

  وأما الخبر فهو مع كونه أحادياً حجة لأصحابنا، وقد احتج به بعضهم لمذهبنا؛ لأنه ÷ قال: «والله لقد رزقك الله حلالاً طيباً» والمراد مكنك منه «فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه» وهذا موضع شبهة الخصوم، ولا حجة لهم في ذلك، فإنه لا مانع من أن يكون بعض رزق الله حراماً على قوم، فلا يكون رزقاً لهم، حلالاً لآخرين نحو مال الغير فإنه حلال لمالكه ورزق، وهو حرام على غاصبه،