المسألة السادسة: في التحسين والتقبيح العقليين
  بالمناظرة، ولا ممن يرتجى منه الإنصاف، ولا جئتم بأقرب مما جاء به السوفسطائية، ولا أدليتم بأمتن مما أدلوا به(١) وما نقول لمن أقر على نفسه بذلك ألا قد قلب فؤادك وبصرك كما لم تؤمن بالحق أول مرة، ولم تبال أين يقع قدمك في نظرك أول خطوة، ولو سرنا معه على نمط الجدل لقلنا له قد ادعينا نحن، وأكثر الفرق كما عرفت أنا أدركنا هذا المتنازع فيه بضرورة عقولنا، وفرقنا بينه وبين تلك الأمور التي لم يبلغ فهمك إلى غيرها، فنحن نصادقك على اعترافك على نفسك بالجهل بهذا الأمر الذي هو الهدى كل الهدى، فمن أين سنح لك الحكم علينا بعدم العلم بما ادعينا العلم به ضرورة حتى زعمت أننا ظننا أحد تلك الأمور التي ذكرت أمراً خارجاً عنها، وحكمك إنما هو جهل مركب، فإنك في الحقيقة قد شككت في صحة عقولنا لما ادعينا العلم بما جهلت:
  وهبني قلت هذا الصبح ليل ... أيعمى المبصرون عن الضياء
  ذكره في العلم الشامخ(٢)، وهو كلام نفيس، ولهذا استوفينا لفظه، وبما قررناه يحصل العلم بإدراك العقل التحسين والتقبيح، والحمد الله.
  قالوا: لو سلمنا ما ذكرتم، فلا نسلم لكم إدراكه لوجوب شكر المنعم.
  قال الرازي في المحصول: أحلف بالله وبالأيمان التي لا مخارج منها أني راجعت عقلي وذهني، وطرحت الهوى والتعصب فلم أجد عقلي
(١) يعني حتى تستحقون جواباً بل يقال: كما أن السوفسطائية لا يستحقون جواباً على ما تمسكوا به من الشبه لمخالفته الضرورة فكذلك هؤلاء. تمت مؤلف.
(٢) العلم الشامخ صفحة / ١٧٨ - ١٨٠ الطبعة الأولى. انتهى.