مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1527 - الجزء 3

  في خلق ابن آدم على وجه الترتيب والتدريج، ولم أمر الله تعالى الملك ينفخ فيه الروح وهو تعالى المحيي المميت ولم يتولَّ الله سبحانه جميع ذلك، وما فائدة إرسال الملك؟ والملك لا يفعل فعلاً أصلاً لا حسناً ولا قبيحاً عند المجبرة القدرية، فلا يمكنهم جواب إلاَّ تسليم حكمته ø، وأنه فعل ذلك لمصلحة المكلفين.

  أما الملائكة فبالمشاهدة والخبر، وأما لسائر المكلفين فبالخبر لهم بذلك، وحكمته تعالى لا تعلم مع اعتقاده أنه تعالى خالق لكل قبيح من كذب، وظلم، وزور، وفجور في الدنيا من أولها إلى آخرها.

  قلت: كلام الإمام # من باب الإلزام للمجبرة بنفي الحكمة على قول مذهبهم، وإلا فهم لا ينفونها⁣(⁣١)، وقد تكلم بعضهم⁣(⁣٢) في شرحه لهذا الحديث وبين وجه الحكمة في التدريج، فقال: وفيه التنبيه على أن الله تعالى قادر على البعث بعد الموت؛ لأن من قدر على خلق الشخص من ماء مهين، ثم نقله إلى العلقة، ثم المضغة، ثم نفخ فيه الروح قادر على أن يخلقه دفعة واحدة، ولكن اقتضت الحكمة الإلهية نقله في الأطوار رفقاً بالأم؛ لأنها لم تكن معتادة، فكانت المشقة تعظم عليها فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل، ومن تأمل أصل تخلقه من نطفة، وتنقله في تلك الأطوار إلى أن صار إنساناً جميل الصورة، مفضلاً بالعقل والفهم والنطق كان عليه أن يشكر من أنشأه وهيأه، ويعبده حق عبادته، ويطيعه ولا يعصيه.


(١) أي لا ينفونها على الإطلاق. تمت مؤلف.

(٢) أي بعض المجبرة. تمت. مؤلف.