مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1534 - الجزء 3

  عن موسى #: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي}⁣[النمل: ٤٤] وقال لما وكز القبطي: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}⁣[القصص: ١٥] وقال يعقوب: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا}⁣[يوسف: ١٨] وقال يوسف: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}⁣[يوسف: ١٠٠] وقال يونس: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ٨٧}⁣[الأنبياء]، وقال نبينا ÷: {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي}⁣[سبأ: ٥٠] إلى غير ذلك مما حكاه الله عن أنبيائه وأوليائه، من إضافة المعاصي إلى أنفسهم وإلى الشيطان الرجيم، ولا يتخرج مذهب هؤلاء القدرية وخبرهم هذا إلا على مذهب إبليس اللعين الذي قال: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي}⁣[الحجر: ٣٩].

  قال القاسم بن إبراهيم #: خالفت القدرية المجبرة كتاب الله تعالى ووافقت الشيطان، قلة معرفة منهم بعدل الله في خلقه، ورحمته لهم، وانتفائه من ظلمهم في كتاب الله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ٤٠}⁣[النساء] وما أدري ما تقول القدرية فيما أورده الله من العتاب لآدم وحوى في قوله: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ٢٢}⁣[الأعراف] وهلا أجاب بمثل ما أجاب به على موسى #، بل أقر بالخطيئة {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}⁣[الأعراف: ٢٣] ومن العجب أنهم يعتقدون أنه لا يؤمن من لا يؤمن بالقدر الذي يزعمونه، وقد حكوا عن موسى أنه لم يؤمن به؛ لأنه إما عالم به فلم وبخ آدم وعاتبه على ما لم يستطع مخالفته، وهذا يستلزم عدم الإيمان به، وإما جاهل، والإيمان بالشيء فرع على العلم به، مع ما فيه من تجهيل نبي الله ~ في مسألة هي مما لا يعذر أحد بجهلها.