مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1535 - الجزء 3

  وبعد، فإن معاصي الأنبياء $ صغائر، فكيف يوبخه موسى هذا التوبيخ على ارتكاب صغيرة، وفي هذا تجهيل موسى #.

  واعلم أنا قد بينا بطلان هذا الخبر بما لا مزيد عليه، وبقيت أمور مما يدل على بطلانه؛ منها: أن موسى قال: أنت الذي أشقيت الناس، وأخرجتهم من الجنة، فعلى مذهبكم إما إن يكون موسى عالماً بأن الله الذي أخرجهم وأشقاهم، فيكون كاذباً، أو جاهلاً لذلك، وهو غير جائز في حقه، وما أدى إلى الباطل فهو باطل؛ إذ الكذب والجهل غير جائزين في حق الأنبياء $. ومنها: أنه لو صح احتجاج آدم بما ذكر لكانت الحجة لسائر الكفار والعصاة على الله، وعلى من نهاهم عن كفرهم ومعصيتهم؛ إذ لا مخصص لآدم بهذه الحجة. ومنها: أن هذا الحديث يدل على مقتضى مذهبهم أن العاصي إذا قال في دار التكليف: هذه المعصية قدرها الله عليه أنه سقط عنه اللوم، وهم لا يقولون بهذا. ذكره النووي في شرح مسلم، وفرق بأن العاصي في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة، واللوم والتوبيخ، وغيرها، وفي لومه، وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل، وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت، وأما آدم فميت خارج عن دار التكليف، وعن الحاجة إلى الزجر، فلم يكن في القول المذكور له فائدة، بل فيه إيذاء وتخجيل.

  قلت: ولقائل أن يقول: إذا كانت المعصية مقدرة عليه فما فائدة العقوبة والزجر، وكيف يزجر عن الأمر الذي لا يمكن دفعه، وما هو