مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1539 - الجزء 3

  وإذا كان لا ينفك عن العلم بأنه لا يقع، فلا يلزم من إمكان وقوع ما علم الله عدم وقوعه كون جهله تعالى ممكناً؛ لأن العلم بأنه لا يقع يدفع العلم بإمكان الجهل، مثاله أن يقول: إذا علم الله أنه لا يقيم القيامة غداً، وعلمنا أنه يمكن إقامتها غداً، فإنه لا يلزم من ذلك إمكان مصير علمه جهلاً؛ لما تقدم من أن العلم بذلك الإمكان لا ينفك عن العلم بأن إقامتها لا تقع أبداً، وحاصل الجواب: أن الملازمة بين الأمرين إذا كانت بطريقة الاقتضاء استحال انفكاك أحدهما عن الآخر؛ لأن المقتضى الذي يتميز به المقتضي كالوصف الذاتي له، ألا ترى أن الحيية تقتضي صحة العلم والقدرة، ويستحيل انفكاك صحة القادرية عن ثبوت الحيية، ويستحيل انفكاك ثبوت الحيية عن صحة القادرية، وأما إذا لم يكن بطريقة الاقتضاء فإن انفكاك أحدهما عن الآخر لا يستحيل كملازمة وقوع القبيح لجهل فاعله أو حاجته إليه، فليس بين الأمرين طريقة اقتضاء، فيقال: إن وقوع القبيح يقتضي الجهل أو الحاجة، وإنما هي ملازمة عادية فلا يستحيل وقوع القبيح ممن ليس بجاهل ولا محتاج إليه، ويمكن أن يكون جاهلاً لا يقع منه قبيح، وكذلك وقوع المعلوم مطابقاً للعلم ليس مقتضَى عن العالمية، بل وقوعه باختيار الفاعل، ولا وقوعه كذلك يقتضي كون العلم علماً، لكن لما هو عليه في ذاته لا يكون إلا مطابقاً، وإذا كان كذلك لم يلزم من إمكان وقوع الفعل غير مطابق للعلم مع القطع بأنه لا يقع كذلك إمكان جاهلية العالم؛ لأن طريقة الاقتضاء غير ثابتة بين هذين المتلازمين، فلا يلزم من إمكان أحدهما إمكان الآخر.