قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  يتناول أحد الرغيفين لا المرجح، فكيف يبني مذهبه هنا على امتناع ما قد ادعى الضرورة على جوازه، ثم نقول: هب أنك قد رجعت عن ما قلته في جواب شبهة الفلاسفة، لكنك قد صرحت بأنه لا محيص عما ذكرته الفلاسفة في قدم العالم إلا بتجويز أن الفاعل يصح منه فعل أحد المستويين عنده لا لمرجح، وإلا لزم قدم العالم.
  فإما أن تكون قد التزمت ما قالوه، وهو قدم العالم فهذا هو الكفر الصريح؛ لأنك قد أنكرت الصانع المختار وحاشاك، وإما أنه قد حصل لك دفع شبهتهم بغير هذه الطريقة فكان عليك بيانها، صيانة لكلامك من التناقض الظاهر الذي لا يمكن الخروج عن ظاهره، فإنك ادعيت هنا العلم الضروري باستحالة وجود أحد المستويين لا لمرجح، وثمة ادعيت العلم الضروري بأن شديد الجوع يتناول أحد الرغيفين المستويين لا لمرجح، ورفعا(١) لما قد ذكرته من اللبس، وهو أنه لا مخلص عنها إلا بما ذكرت، وإلا فقد أخللت بواجب قطعاً؛ لأنك أوقعت الناظر في كلامك في اللبس، والفرض أنه قد ظهر لك دفعه بغير ما أظهرت وأنت أنت، وإما أنك قد رجعت عن حل شبهتهم بما على ذكرت(٢) مع بقائك عن العجز عن حلها، فهذا أكبر الجهلين، وأشنع القولين، فإن جهلك بحدوث العالم أعظم من جهلك بأنا المحدثون لأفعالنا.
(١) معطوف على صيانة. تمت. مؤلف.
(٢) يعني بما ذكره من صحة وقوع الفعل لا لمرجح. تمت. مؤلف.