قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  الوجه الرابع: أن هذا الدليل قد ذكره ابن الحاجب، وابن القيم، وأبطلاه بأمور:
  أحدها: أنا نفرق ضرورة بين الأفعال الاختيارية والاضطرارية، كالصعود والسقوط وحركتي الاختيار والرعشة، فيكون باطلاً لمقابلته الضرورة.
  فإن قيل: الضروري هو أن للعبد قدرة في مثل الصعود دون السقوط، فأما أن تكون قدرته مؤثرة فيه فيكون اختيارياً فلا.
  قيل: جعل الضرورة وجود القدرة لا تأثيرها ممنوع، فإنه لا طريق إلى العلم بوجودها إلا مع العلم الضروري باختيارنا في أفعالنا، وعدم توقفها على شيء سوى إرادتنا، ثم إنا إذا وجدنا مختاراً يتمكن من فعل دون آخر علمنا وجودها في الأول دون الثاني، ولولا تعلقها بأفعالنا وتأثيرها فيها لم نعلم وجودها أصلاً، على أن نفي تأثيرها في وقوع الفعل يرفع فائدة خلقها؛ إذ وجودها ولا أثر لها كعدمها.
  ثانيها: أنه يلزمكم أن لا يكون الباري مختاراً في أفعاله، وذلك كفر، وبيانه أن يقال: إن لم يتمكن من الترك فهو الجبر، وإلا فإن لم يتوقف على مرجح فاتفاقي إلى آخر ما مر.
  فإن قيل: ليس هذا بعينه جارياً في أفعال الباري تعالى؛ لأنا نختار أنه متمكن من الترك، وأن فعله يتوقف على مرجح، لكن ذلك المرجح قد تم وهو إرادته، فلا يحتاج إلى مرجح آخر حتى يلزم التسلسل