قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  قال #: ووجه آخر، وهو أنه لما علم سبحانه أنهم لا يؤمنون أبداً جعل خاتمة أعمال قلوبهم، وحكم عليها بأنها لا تفلح، ولا تصلح، وجعل لهم العذاب الأليم {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ}[الأنعام: ١١٠].
  وإنما أخبر سبحانه وشهد عليهم بما عرف من أعمالهم، وإصرارهم على معاصيه، كما أخبر عن علمه بقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} إلى قوله: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ٢٨}[الأنعام ٢٨ - ٢٧] فبأعمالهم الرديئة ختم على قلوبهم، وعلى سمعهم أنها لا تؤمن أبداً كما قال: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٤}[المطففين] فشهد وحكم على قلوبهم أن سوء كسبهم قد ران، والرين: هو ما يحيط بها من سد أو غشاء، أو ذهل فلا تعقل ولا تسمع(١).
  وذكر الإمام أحمد بن سليمان # أن الختم جزاء على أعمالهم السيئة.
  قال في حقائق المعرفة: وكذلك الطبع والختم يكون أيضاً بعد الكفر والفسق، جزاء لهم على كفرهم وفسقهم.
  قلت: ويؤيد ذلك أن كثيراً مما تعلقت به المجبرة مسوق مساق السبب والمسبب، كقوله تعالى: {طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}[النساء: ١٥٥] {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥] {كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ ٧٤}[يونس] {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا}[النساء: ٨٨] {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ}[التوبة: ٧٧] {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ١٢٧}[التوبة].
(١) البساط ص ١٣٧، ١٣٨.