قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  وهذا كل ما ورد من الختم والطبع، وكل ما في معناهما لا تجده إلا مسبباً عن فعل العبد ومرتباً عليه، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
  وقال الإمام الناصر لدين الله أبو الفتح الديلمي #: معناه الحكم من الله على قلوبهم أنها لا تعي الذكر، ولا تقبل الحق وعلى أسماعهم بأنها لا تصغي إليه، والغشاوة تعاميهم عن الحق كالذي يغشى الناظرين من قتام، أو ظلام، أو نحوه.
  وقال جار الله الزمخشري (|): القصد إلى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها، وأسند الختم إلى الله تعالى للدلالة على أن هذه الصفة في فرط تمكنها وثباتها كالشيء الخلقي الجبلي، كما يقال: فلان مجبول على كذا، أو مفطور عليه، يريدون أنه بليغ الثبات عليه.
  قال (|): ويجوز أن تضرب الجملة مثلاً، كقولهم: سال به الوادي إذا هلك، وطارت به العنقاء إذا أطال الغيبة، وليس للوادي ولا للعنقاء عمل في هلاكه، ولا في طول غيبته، وإنما هو تمثيل مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي، وفي طول غيبته بحال من طارت به العنقاء، وكذلك مثلت حال قلوبهم عليهم فيما كانت عليه من التجافي عن الحق بحال قلوب ختم الله عليها نحو قلوب الأغتام(١) التي هي في خلوها عن الفطن كقلوب البهائم، أو بحال قلوب البهائم أنفسها، أو بحال قلوب مقدر ختم الله عليها حتى لا تعي شيئاً ولا تفقه، وليس له تعالى فعل في تجافيها عن الحق ونبوها عن قبوله وهو متعال عن ذلك.
(١) بالغين المعجمة والتاء بثنتين من أعلا جمع أغتم وهو الذي لا يفصح.