قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  فإن قيل: هَلا كفى العلم باستحقاق الذم، أو حصول الغم في خروجه عن الإغراء، فإن النفوس تنفر عن الذم كما تنفر عن الألم، ألا ترى أن في الناس من يعرض نفسه للتلف عند القتال لأن لا يوصف بالجبن.
  قيل: إن الألم المجرد عن ضرر يتبعه لا يكاد يحتفل به المذموم إلا على جهة الندرة، ونحن نجد من أنفسنا ضرورة أنا لو لم نخش عقاب الله في الإقدام على بعض ما تتعلق به شهواتنا تعلقاً غالباً لم يمنعنا معرفة استحقاق الذم من الإقدام عليه، والذم قد يكون صارفاً حيث لا تكون الشهوة غالبة عظيمة، والحاصل أن الذم لا يكون صارفاً إلا حيث يكون التضرر به أعظم من ترك المشتهى، وهو يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، ألا ترى أنا لا نبالي بذم هؤلاء المخالفين لنا في العقائد، ونجد كثيرًا من الفساق وأهل السفاهة لا يمنعه الذم عن اسيتفاء شهوات نفسه وراحتها، ولا يعتد به، فثبت أن العلم باستحقاق الذم لا يصرف عن كل قبيح، بخلاف استحقاق عذاب النار العظيم الذي لا انقطاع له فإنا نقطع أنه لا يقابله داع أبداً، ولا نجد قبيحاً تكون مشقة تركه مساوية لمشقة هذا العذاب، ولا مدانية له، فقطعنا بأنه صارف عن كل مشتهى يقبح تناوله معادل للداعي إليه بخلاف الذم. وأما الغم فالمرجع به إلى اعتقاد الضرر أو ظنه، فلا يصح أن يجعل في مقابلة المعصية.
  فإن قيل: تجويز الاستحقاق أو ظنه كافٍ في الزجر، ويخرج به عن كونه مغرياً، فمن أين قطعتم على حصول العقاب من جهة الله تعالى؟