قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  قيل: إن تجويز العقاب أو ظنه إنما يؤثر في الزجر وفي زوال الإغراء متى كان استحقاق العقاب معلوماً، ثم يجوز أو يظن أنه يفعل به ما يستحقه، كما لو أخبر أحدنا بأن في الطريق سبعاً فإنه لا يخاف سلوك تلك الطريق إلا متى علم مضرة السبع قطعاً وأنه من الأجناس المؤذية، ثم يظن أنه إن سلك تلك الطريق ربما يناله ضرر، فأما إذا لم يكن ذلك الحيوان مؤذياً ولا يكون هناك مضرة معلومة فإنه لا يصرفه عن سلوكها، فكذلك هنا.
  فإن قيل: لا نسلم أنه لا يصرفه عن تلك الطريق إلا الضرر المعلوم، بل قد يصرفه المظنون، كما إذا أخبر بسبع في الطريق، ولا يعلم هل هو من المؤذية أو غيرها فإنه لا يسلكه حتى يظهر له أمر ذلك السبع، فكذلك هنا إذا كان استحقاق العقاب مظنوناً فإنه لا يرتكب القبيح لتجويز العقاب عليه، فيكون تجويز العقاب كافياً في الزجر، وزوال الإغراء.
  فالجواب: أنا وإن سلمنا لكم أن الضرر المظنون قد يصرفه كالمعلوم، لكنه إذا صرفه تجويز العقاب عما يشتهيه حملته غلبة الشهوة على النظر في الاستحقاق حتى يتيقن ثبوته أو انتفاءه، فإذا نظر ولم يجد إلى استحقاقه طريقاً فيقطع بانتفائه فصار بعد النظر مغرياً بالقبيح إغراء ظاهراً، كأحدنا إذا شاهد بهيمة فخافها فإذا اختبرها وعلم أنها مما لا تضرّ لم يخف منها، فثبت أن التجويز غير كاف في إخراجه عن الإغراء، وتعين أنه لا يخرج عنه إلا بثبوت الاستحقاق وهو المطلوب.