قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  استحقاق العقاب كاستحقاق الثواب على الترك في كونه غير مقابل للداعي إلى القبيح في الكل، وفي حق بعض الناس.
  فالجواب أن المعلوم ضرورة أن لذة شهوة القبيح وإن بلغت ما بلغت لا تغلب هذا الصارف الذي هو استحقاق العذاب العظيم الدائم.
  فإن قلت: كيف لا يكون داعي الشهوة غالباً وهو ضروري وهذا الصارف إنما هو استدلالي، والضروري أقوى من الاستدلالي.
  قلت: لا نسلم أن الضروري أقوى من الاستدلالي بعد حصوله؛ لأن الاستدلالي قد ينقلب ضرورياً، ثم إن الصرف إنما يحصل بقدر الضرر النازل لا باختلاف قوة طريقه، مهما كان اليقين حاصلاً، وهاهنا قد علمنا علماً يقينياً عن دلالة بيئة استحقاق العقاب على المعصية الكبيرة، حتى أنا إذا رجعنا إلى ما نجده من أنفسنا نقطع بأن علمنا الضروري بلذة المعصية لا يغلب ذلك العلم الاستدلالي باستحقاق العقاب الدائم عليها.
  فإن قلت: فما بال العاصين آثروا المعصية مع هذا الصارف؟
  قلت: لأن حكمة الله تعالى لما قضت بالتكليف، والتكليف لا يحصل إلا مع المشقة قضت حكمته تعالى بخلق المكلف قادراً على خلاف ما كلف به، مشتهياً لما منع منه، نافراً عما أمر بفعله، لتحصيل تلك المشقة التي لا يتم التكليف بدونها، ولئلا يكون المكلف ملجأ إلى ترك القبيح وفعل الواجب، بل يكون متردداً بين الإقدام والإحجام، وذلك لا يكون إلا حيث كان الداعي والصارف متساويان