مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1602 - الجزء 3

  معرفة استحقاق الثواب، وكذلك في كل قبيح يهون على النفس تركه فإنه لا بد وأن يقترن به ما تصعب ملازمتة، وتشق حتى لا يحمل على ملازمته⁣(⁣١) إلا خوف العقاب الشديد، فثبت أن المكروه يخالف القبيح في مشقة التكليف بتركه.

  قلت: وهذا السؤال مبني على القول بأن المكروه مكلف به، وعلى القول بوجوب اللطف.

  فإن قيل: لا نزاع في أن العلم باستحقاق العقاب نظري، وأن شهوة القبيح والنفرة عن الحسن ملازمان للتكليف من أول أحواله، وهذا يلزم منه أن يكون المكلف حال النظر في استحقاق الثواب والعقاب مغرى بالقبيح لخلق الداعي وعدم الصارف؛ إذ لا يقين بالاستحقاق قبل تمام النظر.

  قيل: لا نزاع فيما ذكرتم، لكن الوصول إلى العلم بالاستحقاق يحصل في مهلة يسيرة، فيلتزم أن الله يهون الشهوة والنفرة في تلك المهلة حتى يكون تجويز استحقاق العقاب مقاوماً لتلك الشهوة، فلا يكون الباري تعالى مغرياً في قدر مضي تلك المهلة اليسيرة لوجود ما يقاوم الداعي، فإن مضت تلك المهلة التي يمكن فيها الوصول إلى العلم باستحقاق العقاب ولم يحصل العلم فإنما أتي من جهة نفسه، إما لتركه النظر، أو تقصيره فيه، وصار كالبصير الذي غمض عينيه حتى اشتاك.


(١) على ملازمة ما تصعب ملازمته وهو توطين النفس على ترك القبيح مثلاً، فإنه لا يحمله على ملازمته إلا خوف العقاب. تمت. مؤلف.