مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1610 - الجزء 3

  ونهاهم عن المعصية، فمنهم من أطاع، ومنهم من عصى، والعقل يحكم بالتفرقة بين المطيع والعاصي، وفي ذلك إيجاب الثواب والعقاب، ووجدنا المطيع والعاصي أحوالهم مستوية في دار الدانيا، فكما أن في الأولياء الموسع عليه، والمضيق عليه، والصحيح، والسقيم، فكذلك الأعداء، ولما تصرمت الأعمار، وتقضت الآجال على ذلك من دون إثابة لمطيع، ولا عقوبة لعاصٍ، ولا إنصاف لمظلوم حكم العقل حكماً جازماً ضرورياً بأنه لا بد من دار بعد هذه الدار يثاب فيها المطيعون، ويعاقب فيها العاصون، وينتصف للمظلومين من الظالمين؛ إذ العدل العالم الحكيم لا يترك عباده هملاً، ولا يضيع العامل عملاً، ولا عدل والحال هذه إلا بالجزاء، وإلا كان خلق المكلفين عبثاً، بل ظلماً وجوراً؛ لأنه إذا لم يكن للمطيع جزاء على طاعته، ولا للعاصي عقوبة على معصيته، ولا للمظلوم انتصاف من ظالمه فقد ظلم المطيع بتحمله المشاق العظيمة لغير فائدة، وأهمل العاصي بفعل ما يشاؤه، ويكون تعريفه بالمعصية عبثاً، وكان تمكين الظالم مع عدم الانتصاف منه ظلماً وجوراً على المظلوم - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وبهذا تم الكلام على الأدلة العقلية الدالة على استحقاق العقاب، وهي كما ترى أدلة صحيحة قطعية، ولأجلها قال القاضي عبد الجبار وغيره من المعتزلة، واختاره الإمام المهدي #: إن استحقاق العقاب لا يمكن أن يعلم إلا عقلاً فقط، وليس الشرع إلا مؤكداً، وخالف في ذلك أبو رشيد، فقال: بل تجوز دلالة الشرع عليه مستقلاً عن دليل العقل كما تقدم،