مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1611 - الجزء 3

  وتحقيق ذلك أن يقال: قد توعد الله العصاة بالعقاب فلا بد أن يكون مستحقاً، وإلا لما حسن منه ذلك، وهذا هو دليل الموسوي، ومن ذكر معه في صدر المسألة إلا أنهم يقولون: لا دلالة للعقل عليه أصلاً.

  قلت: أما الموسوي فهو من العدلية وهم لا ينفون حكم العقل إلا أنه لما ورد على بعض الأدلة العقلية ما ورد من الإشكالات لم تنتهض عنده على الاستدلال بها على الاستحقاق.

  فقال: لا طريق للعقل إلى معرفة الاستحقاق للعقاب، وقد وافقه على ذلك كثير من أصحابنا المتأخرين، ذكره الإمام المهدي #، بخلاف الكرامية، وابن الراوندي، فالظاهر أنهم إنما نفوه لنفيهم الحكم العقلي من حيث هو. والله أعلم.

  واعلم أن الإمام المهدي # قد أوضح الاحتجاج على ما ذكره قاضي القضاة، فقال: لنا في الاحتجاج على أن استحقاق العقاب لا يعلم إلا عقلاً فقط أن نقول: قد ثبت وجوب معرفة الله تعالى، وإنما وجبت المعرفة لكونها لطفاً في أداء الواجبات، واجتناب المقبحات، فيجب تحصيلها ليحصل بها اجتناب المعاصي كما هو شأن اللطف، وفائدة ذلك⁣(⁣١) وثمرته هي التحرز من العقاب، فتكون المعرفة جارية مجرى دفع الضرر عن النفس فتجب، ومعلوم أن هذا متوقف على العلم بالاستحقاق للعقاب؛ لأنا إذا لم نعلم استحقاق العقاب على المعصية لم يصح القطع بوجوب معرفة الله تعالى، فيلزم


(١) أي اجتناب المعاصي. تمت مؤلف.