قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  إذا عرفت جميع ما تقدم، وثبت لك أن العذاب مستحق عقلاً فلنورد بعد ذلك الشبه التي أوردها الرازي، ونأتي في الجواب عنها بما يحتمله الحال والمقام، مع أن المعول عليه في جوابها هو ما قدمناه من ثبوت الاستحقاق، وأنه إذا ثبت الاستحقاق ثبت الحسن، وانتفى القبح الذي بنى عليه تلك الشبه، فنقول:
  الشبهة الأولى: أن العقاب ضرر خال عن المنفعة فوجب قبحه؛ إذ لا يصح أن يعود نفعه إلى الله؛ لأنه متعال عن النفع والضر بخلاف الواحد منا فإنه يستلذ بعقاب عبده وتأديبه إن عصاه، ولا يصح عود نفعه إلى المعاقب؛ لأن الضرر لا يكون عين المنفعة ولا إلى غيره؛ لأن إيصال الضرر إلى شخص لنفع آخر لا يصح؛ لأن دفع الضرر أولى بالرعاية من جلب النفع، مع أنه يمكن إيصال المنفعة من غير توسيط الإضرار بالغير، فيكون التوسيط عديم الفائدة، فثبت أن العقاب ضرر محض، فوجب قبحه، وذلك معلوم، وإذا ثبت قبحه امتنع وقوعه من الله تعالى؛ لأنه حكيم لا يفعل القبيح.
  قلت: وهذه الشبه محكية عن الملحدة، والجواب من وجهين:
  أحدهما: أنه قد ثبت استحقاقه، وإذا ثبت استحقاقه ثبت حسنه، وإن لم يكن فيه نفع لأحد إذ الاستحقاق أحد وجوه الحسن، والدليل على ذلك أن معنى الاستحقاق مصير الشيء حقاً للغير، ومتى علمنا مصير إيلام زيد حقاً لعمرو حكمنا أنه يحسن من عمرو استيفاء حقه ضرورة.