قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  من الانتفاع، لا لحصول الانتفاع، فإنه قد يحسن وإن لم يحصل الانتفاع اتفاقاً، وذلك حيث يعطي الغير مالاً لينتفع به فيهلك المال، أو يموت المحسن إليه قبل الانتفاع، أو يترك الانتفاع للزهد أو لغيره، فإن المعلوم ضرورة من اللغة أنه يسمى المعطي محسناً؛ ولو كان العلم بوقوع الانتفاع شرطاً في كونه إحساناً لزم خروج ذلك المحسن عن كونه محسناً، ولا قائل به.
  والجواب عن القيد الثاني: أنا لو اعتبرناه للزم فيما أباحه الله تعالى لنا أن لا يكون إحساناً منه إلينا؛ لأنه تعالى لا يريد منا فعل المباح، وإلا لزم أن نثاب عليه؛ ثم إنه لا وجه لاشتراط ذلك إلا لو كان وقوع الانتفاع شرطاً في الإحسانية، وإلا فلا وجه له؛ لأن وقوع الانتفاع فعل غير المحسن فهو أجنبي عنه، ولا فرق بين إرادته وإرادة طلوع الشمس أو غروبها في أنه لا علقة بينها وبين الإحسان ولا تأثير لها فيه، وقد تقدم أنه لا يعتبر إلا التمكين لا الوقوع.
  فإن قيل: إن منكم من أوجب على الله اللطف، وهذا الجواب ينقض ذلك عليكم، وبيانه: أنكم قلتم: لو لم يلطف الله بالمكلفين، لكان تكليفه إياهم بمنزلة من اصطنع طعاماً للغير، وعلم أنه لا يتناوله إلا إذا دعاه إليه، فإنه إذا لم يدعه إليه عاد على غرضه بفعل الطعام وهو إرادة تناوله بالنقض، فكان عابثاً بفعل الطعام، والعبث قبيح، فكذلك إن لم يعتبر في كمال الإحسان إرادة انتفاع المحسن إليه كان قبيحاً، كما يقبح فعل الطعام إن لم يدعه إليه.