قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  والجواب: أنا لم نوجب اللطف في كل تكليف، وذلك أن التكليف له معنيان كما تقدمت الإشارة إلى ذلك:
  أحدهما: بمعنى إكمال علوم العقل، وهو بهذا المعنى لا يجب اللطف لأجله؛ لأن إخلاله باللطف حينئذٍ لا يعود على غرضه الذي هو إكمال التعريض للمنافع والتمكين منها بالنقض؛ إذ قد حصلت من دون اللطف، وذلك بمجرد إكمال العقل.
  والثاني: بمعنى إرادته منهم فعل الواجبات، واجتناب المقبحات، وأمره، ونهيه بذلك، وهذا هو الذي وجب لأجله اللطف؛ لأن من أراد من غيره أمراً وهو يعلم أنه لا يفعله إلا إذا دعاه، ولا مانع له من الدعاء فإنه إذا لم يدعه عاد على غرضه الذي هو إرادة فعله بالنقض، كما في المثال الذي ذكره السائل؛ لأن المفروض أنه لم يصنع ذلك الطعام إلا وهو يريد من الغير تناوله، ومسألتنا لا توازن التكليف بهذا المعنى، بل بالمعنى الأول، فكما أن إكمال علوم العقل لا ينتقض الغرض بها لإخلاله باللطف، كذلك لا ينتقض كون التمكين إحساناً بالإخلال بإرادة الانتفاع؛ إذ لا يتنقض غرضه وهو فعل الإحسان بذلك؛ وتحقيق ذلك أن الغرض بإكمال العلوم أن يحصل بعده التعريض للثواب بإرادة فعل الواجبات العقلية، فإذا أراد فعل الواجبات فقد حصل الغرض بإكمال علوم العقل، وإن لم يفعل الألطاف ولا يكمل الغرض بالإرادة إلا بفعل الألطاف، فالتمكين من المنافع وإن لم يرد منه الانتفاع بها نظير خلق العلوم مع الإرادة في كمال الغرض بفعلها.