مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1622 - الجزء 3

  وذلك إعطاء الله الأموال العظيمة الجسيمة من يعلم أنه لا ينتفع بها حتى يأتيه الموت فإنه إحسان بلا خلاف.

  فإن قلتم: إنه ينتفع بالالتذاذ بها وذلك كاف.

  قلنا: فَقَدَّرُوا ذلك الإعطاء لطفل أو مجنون لا يعقل الالتذاذ بها.

  فإن قلتم: ليس ذلك إحساناً خالفتم ما المعلوم خلافه، وإن قلتم: بل هو إحسان ونعمة بطل سؤالكم، وثبت كون الإحسان إحساناً باجتماع القيود التي ذكرنا. وأيضاً فإنا نسألكم عن قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ...} الآية [فصلت: ١٧].

  فإن قلتم: إن هذا الهدى إحسان بطل قولكم، وإن قلتم: ليس بإحسان خالفتم الأمة؛ إذ لا خلاف في أن هذا الهدى إحسان إليهم، مع أنه تعالى عالم أنهم لا ينتفعون به؛ وإنما اختلفت الأمة في تكليف من علم أنه سيكفر لما يحصل بسبب التكليف من المضرة، وأما الهدى فلا يحصل بسببه مضرة، فلا خلاف في كونه إحساناً. وأما النظر في الأمر الثاني وهو في وجه حسن الإحسان فهو كونه إحساناً؛ لأنا متى علمناه إحساناً عرفنا حسنه، وإذا لم نعلمه إحساناً لم نعرف حسنه، كما أنا متى علمنا الفعل ظلماً علمنا قبحه، ومتى لم نعلمه ظلماً لم نعلم قبحه، وهذا معلوم.

  وأما النظر في الأمر الثالث وهو في تكليف من علم الله أنه يموت كافراً هل قد حصلت فيه حقيقة الإحسان ووجه حسنه أم لا؟

  فاعلم أنه إذا قد ثبت بما تقدم بيان حقيقة الإحسان ووجه حسنه،